قصص الموتى الاحياء كثيرا ما نراها فقط على شاشات التلفاز والسينما..نتابعها ونحن نعلم يقيناً انها من خيال بعض كتّاب الخيال العلمي..
نعم..نشعر بالخوف أحيانا بالإثارة..والمغامرة.. بالتقزز من كل تلك الدماء التي تغطي وجوه تلك الكائنات العائدة من الموت ولكننا لا نشعر بخوف أبداً من أن نجد يوما ما جيشاً منهم يجوب في شوارعنا ..!
لكن!ھل جاءت فكرة ھذه الشخصية من محض الخيال أم أن لھا أساساً يمكن دراسته والتأكد من مصدره وحيثيات ظھوره؟
المھم في ھذا كله ھو أنه يربط عالمين، عالم لموتى وعالم الأحياء.
تتحطم حجارة القبور وشواھدھا وتبدأ في الخروج أجساد بدأ تحللھا كيميائياً، ومن الواضح أن القوى العقلية للأموات الذين عادوا من العالم الآخر متدنية للغاية، وھمھم الأكبر ھو زرع الرعب بين الناس وقتل أكبر عدد منھم ثم التھامھم...
القصص الخاصة بالزومبي انتقلت من عالم لسينما والتلفزيون لتصل إلى عالم ألعاب الكمبيوترلتصبح بذلك إحدى أكثرھا نجاحاً وتحقيقاً للربح...
لكن رغم أن المسألة، بالنسبة لكثيرين، تعتبر مجرد تسلية لا أساس لھا، فإننا نجد أن ھناك ما يدعمھا بصورة قوية؛ ليس فقط من قبل شھود عيان يؤكدونھا، بل مما ھو أكثر من ذلك بكثير... وهذا ما ستجدونه في جزيرة "هاييتي"
أصل السطورة..
قد ظهرت أسطورة (الزومبي) في جزيرة هاييتي - وهي واحدة من جزر البحر الكاريبي- والتي شوهد فيها أموات لم تبدأ جثثهم بالتحلل بدوا للجميع وكأنهم نصف أحياء، فكان الميت يمشي ويأكل ويشرب ويسمع ويتحدث ولكنه مسلوب الإرادة بشكل كلي تقريبا ولا يستطيع التفكير، بل ولا يحمل أي ذاكرة لفترة حياته.
ويعتقد الأهالي أن هذا من فعل السحر الأسود الذي يمارس بالفعل على نطاق واسع في (هاييتي) من قبل السحرة والمشعوذين، ويقوم الساحر بهذا العمل عادة كي يجعل من (الزومبي) عبدا يعمل في حقله، وليكسب احترام الناس وخوفهم. ولكن الأمر لا يحدث بشكل علني لأن هناك قانون صارم في (هاييتي) يمنع منعا باتا تحويل الإنسان إلى ( الزومبي) !!
قانون العقوبات الخاص بھاييتي يضم فقرة رقمھا 249 تنص على أن عقوبة إعطاء مواد محددة إلى شخص ما (حتى إذا لم يؤدي ذلك إلى الموت الفعلي بل إلى جعلھ يمر في حالة سبات طويل) تكون مماثلة لعقوبة الشروع في القتل، وإذا تم دفن الشخص الذي تناول تلك المواد بعد ذلك تكون العقوبة مماثلة لعقوبة القتل، بغض
النظر عما يحدث بعد الدفن...
صورة أو بأخرى، تعد ھاييتي "موطن" الزومبي الأصلي الذي يأتي من التعاليم الخاصة بالـ Vodou (الفودو)
وفقاً لذلك الدين ... فإن الكھنة (أو من يمكننا وصفھم بالمشعوذين) الذين يطلق عليهم Bokor ھم من يقوم باستخدام الزومبي لخدمة أھداف خاصة بھم.
كلمة زومبي ترجع في أصلھا إلى كتابات ھاييتية تعود للعام 1871 ، إلا أن الشھادة الموثقة الأولى لدينا ھي تلك الخاصة بالمختصة بالفولكلور والكاتبة زورا نيل ھورستون Zora Neale Hurston التي تحدثت عام 1937 عن سيدة كبيرة في السن بعض الشيء ظھرت فجآة في إحدى قرى ھاييتي قبل أن يتعرف عليھا أفراد إخدى الأسر ھناك...
المشكلة أن تلك السيدة كانت قد دفنت قبل ثلاثين عاماً، عندما كان عمرھا 29 سنة... قامت زورا بدراسة الحالة، إلا أن كل ما تمكنت من الحصول عليھ ھو بعض الإشاعات التي تحدثت عن مادة دوائية قوية قادرة على إحداث حالة موت ظاھرية...
أبحاث العالم "ويد دافيز"
الباحث ( Wade Davis ) إدموند ويد ديفيس، أنثربولوجي كندي ومختص بعلم النباتات الطبية وكاتب ومصور، ركز دراساتھ على ثقافات السكان الأصليين في أماكن مختلفة من العالم وبخاصة في الأمريكيتين.
وقد قام بأبحاث عديدة حول موضوع الزومبي... مقالاتھ نشرت في مجلات منھا
National geographic
ديفيس كتب أن أبحاثھ أوصلتھ إلى مسحوقين قويين، إذا تم إيصالھما إلى مجرى الدم (عن طريق جرح مثلاً) يمكنھما تحويل شخص حي إلى زومبي... إحدى ھاتين المادتين ھي Tetrodotoxin الذي ھو سم سمكة المنفاخ، والأخرى ھي مادة كالقلوانيات كتلك الموجودة في نبات الداتورا (من نباتات الزينة)...
|
سمكة المنفاخ |
|
نبات الداتورا |
وفق ما وجد ديفيس، فإنھ في بعض الحالات يقوم الكھنة الـ Bokor بخلط التيدرودوتاكسين بمواد أخرى يتم استخراجھما من الغدد الخارجية والجلد لضفدع القصب وھي مواد قادرة على التسبب في موت الإنسان...
في حالة خلط ھذه المواد بنسب معينة، وتقديمھا لشخص ما في طعامه، فھي لن تؤدي إلى موته؛ بل سيصبح في حالة من الموت الظاھري لعدة ساعات، تنحفض خلالھا نبضات القلب والتنفس بشكل كبير جداً...
وفي ھاييتي التي ترتفع فيھا درجات الحرارة وتشح فيھا الثلاجات الخاصة بالموتي، فإن أقارب الميت يسارعون إلى دفنھ وھذا يعني أن حالة الدفن قد تتم لمن ھو في حالة موت ظاھري فقط... يقول ديفيس أن ضحايا ھذا النوع من السموم، ، يجب أن يتم إخراجھم من قبورھم في غضون 8 ساعات وذلك لتجنب الاختناق...
الكاھن يخرج الضحية ويعطيه المادة المستخرجة من نبات الداتورا التي تكون فاعليتھا أقوى إذا كان الضحية يؤمن بتأثيرھا، وھو ما يضعه في تصرف الكاھن؛ فرغم وعيه بما يدور حوله فھو غير قادر على أن يكون بصورة طيعية.
ما يتوجب علينا معرفتھ ھو أن غرام واحد من مادة تزيد سميتھ عن غرام السيانيد بألف مرة... فإنھ يتسبب في حالة شلل كامل، إلا أن الدماغ يبقى واعياً بما يدور حولھ، في حين يصل الموت بعد بضع ساعات بسبب الاختناق أوقصور القلب... ولا يوجد ترياق يمكن أن يوقف عمل ھذه المادة السامة؛ إلا أنھ إذا قدر الإنسان على البقاء على قيد الحياة مدة 24 ساعة، فھذا سيعني أنھ سيكون قادراً على الخروج من حالتھ تلك والعودة إلى حياتھ الطبيعية.
كل ما سبق، رغم وجود خلافات حادة حولھ من قبل العلماء، لا يفسر سبب وصول ھذا النوع من الزومبي إلى الثقافة الرائجة اليوم وسبب الشھرة التي حصل عليھا.
وتجدر الإشارة إلى أن الأهالي في (هاييتي) يخشون كثيرا أن يتحولوا إلى (الزومبي)، فلا زال عدد كبير جدا من الأهالي يضعون الصخور الضخمة الثقيلة على قبور أمواتهم، حتى يمنعوا السحرة والمشعوذين للوصول إلى تلك القبور وتحويل الموتى إلى (الزومبي)، في حين يمكث آخرون بالقرب من قبور أفراد عائلتهم لفترة من الزمن حتى يتأكدوا من تحلل الجثث قبل أن يقوم ساحر بسرقتها، أو أن يقوموا بتشويه الجثة كليا، لأن الساحر –كما يظن الأهالي- يحتاج أن تكون الجثة حديثة، غير متحللة أو مشوهة حتى يعيد إليها الحياة كـ (زومبي).
وقد تم استغلال (الزومبي) في بعض القضايا السياسية، منها ما حدث في أوائل التسعينات عندما قام بعض العسكريين بانقلاب ضد حكومة (هاييتي)، لتحشد (الولايات المتحدة الأمريكية) قواتها لدخول (هاييتي) وإرجاع الأمور إلى نصابها، فادعى مجلس الثوار وببيان رسمي بأنه قد تم إعداد جيشا من (الزومبي) لقتال الأمريكان، وكان الهدف من هذا هو –بالطبع - زرع الخوف في قلوب الجنود الأمريكان، ولكن الأمر لم يهم المسئولين في (الولايات المتحدة الأمريكية) التي قام جيشها فعليا باجتياح (هاييتي) عام 1994 لإعادة الأمور إلى نصابها، دون أن يشاهدوا أي جيوش من (الزومبي)
الجدير بالذكر بأن أول حالة للزومبي حدثت في عالمنا العربي و الإسلامي حدثت في تاريخ 119 هجري أو ربما أقل أو أكثر بسنة أو سنتين و لكن في ذلك الوقت لم يعرفوا أو يعلموا بمسمى الزومبي بل بحالة أخرى و هي تلبس الشيطان بالإنسي و تحريكه إياها وهو ميت .
و قد ذكرت القصة في كتاب ((التوبة + التذكرة للقرطبي ))
و القصة باختصار بأن هنالك رجل ميت كان شديد الكفر و الطغيان و مات .. وعندما دفنوه مر رجل أعرابي ما إلى القبر فقد في تلك الحقبة لم يبني أسوار أو شيء ما و كان و قتها قد أستضل تحت شجرة ما ليذهب من حرارة الشمس و فوجئ بأن هنالك يد تتحرك و تخرج من تحت الأرض و ظهر له هذا (( الزومبي )) الرجل الميت و فزع الرجل و أطلق ساقيه للريح و لكن أخبروه أهل المدينة بأن الشيطان قد تلبس هذا الجسد لأنهم لم يكفونه و لم يصلوا عليه لكثرة طغيانه و ظلمه و قد دخل
الشيطان في جسده ليخبر العالم بأنه قد دخل الجنة و ما إلى ذلك و يجب أن يتبعوا أموره من شرب الخمر و أن الصلاة ليست بواجبة و ما إلى ذلك .. و لكنهم قروا عليه القران حتى أنهك الجسد و ظهر الشيطان من جسده و من ثم أرجعوه قبره و دفنه ..
ويذكر بأن القصة حدثت في بابل بالعراق ..
وعلى الرغم من الذي توصل له الباحث"ويد دافيز" إلا أنه لم يكن كافياً أمام العلماء الذين يعتقدون أن تلك المواد التي ذكرها "دافيز" لم تكن وحدها المسببه في ظاهرة الزومبي في جزيرة "هاييتي" وأن هناك مادة سحرية أخرى تعمل على ذلك ..
ولكن أياً كان السبب..فنحن نعلم أن الميت لن يعود أبداً بحالته الطبيعية التي خلقه عليه الله سبحانه وتعالى..فالذي يحيي الموتى هو الله..وإنما ما حدث في تلك الجزيرة لم يكن موتاً من الأساس ولكنه شبه غيبوبة أحدثها و إستغلها السحرة لمصالحهم..فنشأ من هنا مفهوم الزومبي او الميت الحي كما ذكرنا ..
وربما هذا ما زال يحدث هناك.. في جزيرة الموتى الأحياء.."هاييتي".
المصادر:
مجلة sci-prospects
بعض المنتديات العربية